معذرة يا رمضان
كنت تأتي قوما أعدوا العدة لاستقبالك، وفهموا سرك، وعرفوا مغزاك، فهم ينتظرونك ويترقبونك، ويتهيأون لك بالصلاة والصيام والتهيئة العبادية، كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يدركوا فضيلتك، ثم يدعونه باقي العام أن يتقبل، كانوا يقولون: اللهم سلمنا إلى رمضان، وسلم لنا رمضان، وتسلمه منا.
هذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يؤتى له بإفطاره وقد كان صائما وفيه نوعان من الطعام، فيبكي! فيسأله أهله: ما يبكيــك؟ فيقول: تذكرت مصعب بن عمير مات يوم مات ولم نجد ما نكفنه به إلا بردة إذا غطينا رأسه بدت قدماه، وإذا غطينا قدميه بدا رأسه، ونحن اليوم نأكل من هذه الأنواع، وأخشى أن تكون طيباتنا عجلت لنا!!!
واليوم يا رمضان ... هل تفد إلا على قوم استبدلوا العداوة بالإخاء، والخصومة بالصفاء، ورضوا بالتباغض والشحناء؟! وكأنه لم ينته إليهم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((ترفع الأعمال إلى الله كل اثنين وخميس فيغفر لمن شاء إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء فيقول: انظروا هذين حتى يصطلحا)).
هل تفد إلا على قوم ضمر فيهم حس الأخوة الإيمانية، والرابطة الربانية، فهم لا يشعرون بمصاب إخوانهم في شرق الأرض وغربها، ولا يهتزون للأعراض المنتهكة والأراضي المغتصبة، والحقوق المهدرة، وكأنهم لم يسمعوا قوله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)).
هل تفد إلا على مجتمع لا يكاد يعرف فيه الجار جاره، والقريب قريبه؟
معذرة يا رمضان ...
هذه جراحنا ... هذا واقعنا الذي نعيشه.
هكذا تبدلت الدنيا، وتغير الناس..
هكذا نحن ...
فهل نجد في أيامك هذه المباركات ما يغير الحال؟
وهل تكون لنا محطة نخرج منها بوجه غير الوجه الذي دخلنا به؟
نرجو ذلك ...
لاتنسونا من الدعاء